رسام ومهندس: قصة حب بين عالمين
هدوء "ألوان" وألوان الروح
في قلب وادٍ أخضر يلتف حوله نهر هادئ، تقع قرية "ألوان"، جوهرة مخبأة عن صخب العالم الخارجي. لم يكن اسم القرية مجرد صدفة؛ فكل زاوية فيها كانت تنبض بالحياة والألوان التي لا يمكن لعدسة كاميرا التقاطها. بين بيوتها الطينية الدافئة التي تعانقها كروم العنب المتشابكة، وحقول القمح الذهبية التي تتراقص على أنغام نسائم الصباح، كانت تعيش ليلى. ليلى، ابنة "ألوان" البارة، لم تكن مجرد رسامة موهوبة، بل كانت روح القرية ذاتها. عيناها، بلونهما الأخضر العميق الذي يذكر بغابات الزيتون المحيطة، كانت نافذتها إلى عالم ترى فيه ما لا يراه غيرها: تفاصيل صغيرة، ظلال متحركة، لمحات من حكايات خفية تنتظر أن تُروى.
منذ نعومة أظفارها، كانت ليلى تلاحق الضوء. كانت تجلس لساعات تحت شجرة التين العتيقة في ساحة القرية، ترسم وجوه الجدات المتجعدة التي تحمل خرائط الزمن، أو أيدي الأطفال التي تمسك بزهرة برية. فرشاتها كانت امتدادًا لروحها، تنقل ببراعة فائقة ليس فقط الأشكال والألوان، بل العواطف والقصص الكامنة خلفها. كانت ورشتها المتواضعة، الواقعة في فناء منزلها القديم، ملاذها المقدس. تفوح منها رائحة الألوان الزيتية العميقة، ممزوجة بعبق الخشب القديم ورائحة التراب المبلل بعد المطر. كانت رفوفها تعج بقوارير الألوان التي تصنعها بنفسها من أصباغ طبيعية مستخلصة من نباتات القرية، وعلب الفرشاة المتآكلة التي تحمل بصمات سنوات من العمل الدؤوب.
لم تكن ليلى تسعى للشهرة أو الثراء؛ كانت تكتفي بالسلام الذي يمنحه لها فنها. لوحاتها، التي كانت تُعرض أحيانًا في السوق الأسبوعي الصغير، كانت تجذب السياح القلائل الذين يغامرون بزيارة "ألوان". كانوا يشترون منها تذكارات تحمل روح المكان، بينما كانت ليلى تهدي أجمل لوحاتها لجيرانها وأصدقائها، كرمًا منها وتقديرًا لكونهم جزءًا من مصدر إلهامها. كانت حياتها تتسم بالبساطة والعمق، متناغمة مع إيقاع الطبيعة: تستيقظ مع زقزقة العصافير الأولى، وتنام تحت سماء مرصعة بالنجوم التي تبدو وكأنها أقرب ما تكون في "ألوان". لم تشغل بالها قط بتعقيدات المدن الكبيرة، أو الطموحات التي لا تعرف حدودًا؛ كانت سعادتها تكمن في الجمال الذي يمكن أن تخلقه بيديها، وفي الهدوء الذي يحيط بها. كان فنها هو لغتها، وقريتها هي عالمها الأوحد، عالم مكتمل بذاته لا ينقصه شيء.