قصة حب بين الطموح والإصرار في مدينة "أثيريا"
همسات الظلال وبريق الكريستال
في قلب مدينة "أثيريا" العائمة، لم يكن النور الأزلي الذي يغمر أبراجها الزجاجية يعانق الجميع بذات القدر. فبينما كانت "المدينة المضيئة" تتلألأ في الأعلى، كحلم أثيري يداعب الغيوم، كانت "أزقة النفايات المتوهجة" في الأسفل تمتد كشرايين مظلمة، تنبض بحياة مختلفة، حياة تتشكل من بقايا ما يطرحه الأغنياء. هنا، حيث تتلاشى ألوان الحياة وتختفي أشعة شمس "النور الأزلي" خلف طبقات من الضباب السحري، نشأت مروى، شابةٌ تبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعًا، تزهو عيناها البنيتان ببريقٍ لا تخطئه العين، بريقٌ يحكي عن طموحٍ أعمق من الظلال المحيطة بها.
كانت عائلة مروى تعيش في "حي الظلال" السفلي، في كوخٍ بالكاد يقيهم برد الليل اللاسع. والدها، "الحارس الصامت" لمحطة "تصفية الأثير"، كان يعاني من "مرض الضباب" الذي يخفت بريق العينين ويسلب النشاط، بينما كانت والدتها، "نسّاجة أحلام الظل"، تكدّ ليل نهار في حياكة "أقمشة الشفق" التي بالكاد تسد رمقهم. رأت مروى في أعين والديها التعب، وفي تنهيداتهم الصامتة شعرت بثقل اليأس، وتعهدّت لنفسها بأن تكون هي نقطة التحول في مصير عائلتها.
كانت تدرك أن التعليم هو السلاح الوحيد القادر على شق طريقها عبر ضباب الفقر. لذا، كانت تسعى جاهدة للوصول إلى "مكتبة المعرفة القديمة" في "برج الحكمة" الشاهق، الذي يلوح في الأفق كبوابة إلى عالم آخر. لكن الوصول إلى هناك لم يكن مجرد رغبة، بل كان حلمًا يكاد يكون مستحيلاً لساكني "حي الظلال". فالمكتبة كانت تقع في "المدينة المضيئة"، التي يحكمها "مجلس الشيوخ الأثيري" بقوانين صارمة تفصل بين الطبقات. كانت تدرس مروى في أكاديمية "صوت الأثير" الصغيرة، التي تقع على حافة "حي الظلال"، وهي إحدى الأكاديميات القليلة التي تقبل أبناء الطبقات الدنيا، لكنها كانت تفتقر إلى الموارد الكافية لتغذية شغف مروى اللامحدود بالمعرفة. كانت لياليها تمتد طويلاً، تحت ضوء "المصابيح المتذبذبة"، تنكب على "لفائف المعرفة" البالية التي كانت تستعيرها سرًا، تحاول أن تستوعب كل كلمة، كل فكرة، آملةً أن تصقل عقلها وتفتح لها أبوابًا جديدة.
في الجانب الآخر من "أثيريا" السفلية، تحديدًا في "أزقة النفايات المتوهجة" التي تشع بألوان غريبة من بقايا "الكريستالات المنهكة"، كان أنس يصارع مصيره الخاص. كان شابًا في التاسعة عشرة من عمره، بجسد نحيل لكنه ممتلئ بالعضلات التي نحتتها سنوات من العمل الشاق. لم يكن يمتلك الكثير، فوالديه توفيا في "كارثة انبعاث الطاقة" قبل سنوات، تاركين إياه وحيدًا يواجه قسوة الحياة. لكن أنس لم يستسلم لليأس. كان يمتلك نظرة ثاقبة لم يمتلكها الكثيرون، فقد رأى في "كريستالات الطاقة المهملة" التي يرميها أهل "المدينة المضيئة" "قمامة"، كنزًا حقيقيًا.
كل يوم، قبل بزوغ "نور الأثير" الأول، كان أنس يبدأ جولته. كانت "عربته الأثيرية" المتهالكة، التي صنعها بنفسه من بقايا "الأجزاء الطافية"، رفيقته الوحيدة. يتجول بها في "متاهات الضوء الخافت"، بين أكوام النفايات التي تشع بألوان باهتة، باحثًا عن "كريستالات الطاقة" التي لا تزال تحتفظ ببعض بريقها. كان يعرف أنواع الكريستالات، وكيفية فرزها، وكيف يمكن تفعيلها من جديد. لم يكن يسعى للمال فحسب، بل كان يطمح لإثبات ذاته، وإثبات أن ما يراه الآخرون "عديم القيمة" يمكن أن يكون أساسًا لثروة حقيقية. كان يرى في إعادة التدوير ليس فقط وسيلة لكسب العيش، بل فلسفة حياة، طريقة لتحويل المهملات إلى حياة، واليأس إلى أمل. كان يحلم ببناء شركة ضخمة لـ "تجديد الكريستالات الحيوية" تصعد به إلى "المدينة العليا"، ويثبت لأهلها أن الذكاء لا يعرف طبقة اجتماعية.
في تلك الليلة بالذات، كان أنس قد أنهى جولته اليومية، وعربته شبه ممتلئة بـ "الكريستالات الخضراء" النادرة التي كان قد عثر عليها بصعوبة. كان متعبًا، لكن الرضا كان يملأ قلبه. وفي "سوق الهمسات"، الذي كان عادة ما يعج بالضجيج لكنه أصبح الآن صامتًا إلا من أصوات الرياح الهامسة، حدث اللقاء الذي غير مجرى حياة كليهما. كانت مروى، غارقة في أفكارها حول معادلة اقتصادية معقدة، تسير بسرعة، بينما كان أنس يدفع عربته بحذر في الظلام الدامس. لم يرها، ولم تره. صدمت "عربة أنس الأثيرية" غير المرئية في الظلام "حقيبة مروى المتوهجة"، وسقطت "لفائف المعرفة" القديمة التي كانت تحملها، مع أقلامها اللامعة وأوراقها المكتظة بالملاحظات، مبعثرة على أرضية السوق الباردة.
شهقت مروى بصدمة، بينما ارتطم أنس بعربته الصغيرة، وتناثرت بعض "الكريستالات" من على متنها. اعتذر أنس على الفور، بصوت خشن لكنه مليء بالأسف: "آسف جدًا! لم أركِ في الظلام. هل أنتِ بخير؟" مد يده لمساعدتها في جمع أشيائها، ولم يكن يرى سوى خيالها المتمايل في الضوء الخافت لمصباح الشارع الوحيد الذي كان يومض بضعف. رفعت مروى رأسها، لتلتقي عيناها بعيني أنس في تلك اللحظة التي بدت وكأن الزمن قد توقف فيها. كانت عيناه، على الرغم من الإرهاق، تلمعان بصدق ونوع من العزيمة، بينما رأت في عينيه لمعةً لم تكن تتوقعها من "جامع كريستالات". تلك النظرة المتبادلة، في تلك اللحظة الصامتة في "سوق الهمسات"، كانت الشرارة الأولى التي أشعلت قصة حبهما، قصة ستتحدى "ضباب التقاليد" و"قوانين المجلس الأثيري"، وتسعى لتحقيق الأحلام في "نور الوعي".